اعداد النفس الجهاد
الاعداد النفسي للجهاد
كيف تعد نفسك للجهاد؟
- حديث النفسبَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ?
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق )
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبتة بحمد الله تعالي والثناء عليه ثم يستعيذ بالله من شرور النفس , والحديث عن النفس حديث ذو شجون.
ما الذي يمكن أن يحدث لو تُركت النفس لتسرح في تخيلاتها ؟
ستجد أنها لاتسرح إلا فيما تشتهيه ( قصص البطولات و أنها إحداها ) أما الصور المؤلمة كأسرٍ وسجنٍ وقهرٍ وتعذيب وانتهاك عرض , فلا تميل النفس أن تكون هي إحدي هذه الصور ونادرا ماترد علي خواطرها , بل ربما تخاف من مرورها علي خاطرتها ...مع انها حقيقة واقعية ومشاهدة .
لذا عني الاسلام بالاعداد النفسي وإهتم به إهتماما عظيما وهو لا يتعارض مع الاعداد البدني في آن واحد ( إنتبــه ) .
فالاعداد النفسي يقوي المجاهد في مواجهة الابتلاءات من أسر وتعذيب فيثبت علي المباديْ .
الاعداد البدني يقويه في قتاله للكفار والمرتدين , لذا كان لزاما علينا أن نتحدث عن النفس كإحدي دعائم القوة .
ونحن هنا نتكلم عن الجوانب العملية في الاعداد وأول ما سنتحدث عنه هو ( حديث النفس ) .
حديث النفس :-
وحديث النفس أقصد به التفكر في طبيعة النفس , قال تعالي : ? بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ? , , فأنت مطالب بذلك التفكر بل هو فرض عين عليك و لست معذوراً مهما أتيت من أعذار , قال تعالي : ? وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ? , وهنا سنحاول التعرف علي طريق الاعداد الذي نريد أن نسلكه .
فنبدأ حديث النفس بمثال ( والقرآن كثيراً ما ضرب أمثلة ) :-
مثال : تاجرٌ يبيعُ فاكهةً وله عدة صفات :
1. لايعرف عن سلعته شيء .
2. لايهتم بالمحافظة عليها ولا بنظافتها إذا أصابها وسخ أو قذر بل يتركها للتعفن .
3. يريد أن يربح فيها أعلي ربح .
السؤال : هل ستجد لهذا التاجر مشتري ؟ ...بالطبع لا. لذا من الطبيعي أن يهتم التاجر برعاية سلعته والمحافظة عليها ليربح منها أعلي ربح لأنه لو لم يفعل ذلك خسرها بالكلية
وطالما أنك تريد أن تدخل السوق ( ساحة النزال ) لتبيع سلعتك ( نفسك) بأعلي ربح ( الجنـة ) , فلابد أن تعرض منتج عالي الجودة رخيص الثمن ( نفساً زكية ) فالامر أمر إختيار ?..وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ..? . لذا فأنت مطالب بحديث النفس عن النفس , بالتفكر والتعرف علي السلعة التي تريد بيعها لرب العالمين .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق )
رواه مسلم
وحديث النفس لابد له من ثلاثة أدوات إستفهامية : ماذا... ؟ وكيف... ؟ ولما... ؟
1. ماذا تعرف عن سلعتك ( نفسك ) ؟
قال تعالي : ? بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ? , إن أي تاجرٍ يبيع سلعة ً من الطبيعي أن يكون عالماً بأمر سلعته عارفاً بما يفسدها ويصلحها تمام المعرفة , لذا لا يعذره المشتري علي عدم معرفته , بل لا يقبل بأن تكون عدم المعرفة عذرا ًمقبولا , ًوإنما تقصيراً منه عاقبتة خسارة البيع , فمابالك بنفسك التي بين جوانحك تريد بيعها دون معرفتك بها , فقلي بربك ماذا ستفعل لو لم يُقبل البيع لأن السلعة ( نفسك) أصابها العفن وعفنها بأنها إنتظرت الثناء من الناس ليقال عنها ( شجاعة ) , إذاً فهي نفسٌ غير خالصة لوجه الله تعالي وإنما بِيعت لمن إشـتراها ( الناس ) والثمن ( أن يقولوا عنها أنها شجاعة فقد قيل ) فأصبح لاقيمة لها ولا وزن إلا بأن تكون وقوداً للنار ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ? فتلقي في ( النـــار ) ولايقبل ممن أهمـلها إعتـذار : قال تعالي : ? وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ? .
وهنـــا وقفـــة :
لابد أن تتعرف علي طبيعة نفسك , هل هي نفس أمارة بالسوء أم أنها نفس لوامة , فالنفس الامارة بالسوء , نفسٌ لا لجام لها تنساق في طريق شهواتها إلي أن تصل إلي محطة الوصول ( جهنم ) , وأما النفس اللوامة فصاحبها ممسك بلجامها منتبه لها غير غافلٍ عنها , يحدد لها الطريق الذي تسير فيه , فإن تمردت زجرها وأخضعها فتنساق له لتسير به في رضا الرحمن لتصل إلي محطة الوصول ( جنات الخلود ) ? يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ? , فلسان حال صاحب النفس اللوامة يقول :
أشكو إلى الله نفساًما تلائمني *** تبغي هلاكي ولا آلو أناجيها
ما إن تزال تنــاجيني بمعصية *** فيها الهلاك وإني لا أواتيها
أخيفـها بوعــيد الله مجتهداً ***وليس تنفك يلهيها ترجيها
( فالنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاعة، وإن تفطمه ينفطم )
فإن كانت نفسك أمارة بالسوء وهي طبيعتها فلابد وأن تجاهد نفسك وتمسك بلجامها لتوجهها وتنقلها من طريق التهلكة إلي طريق النفس اللوامة وهي النفس التي أقسم الله بها فقال :? وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ? , فإن نجحت في إخضاعها وإلجامها وتحديد مسارها تستطيع أن تدخل في السباق ,كما قال تعالي ? سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ? والمسارعة في الطريق ? وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ? , لأن طريق النفس اللوامة طريق محاسبة النفس علي كل خطوة تخطوها من قولٍ أو فعل لتسألها .. هل هذا القول أو الفعل حلال أم حرام ؟ به شبهة أم لا ؟ خالص لوجه الله أم رياء وسمعة ؟ حتي تصل إلي مرحلة التنافس علي الجودة ? وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ?
وكما قال الشاعر :
الجود بالمال جود فيه مكرمة *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
2- كيف أُعد نفسي للجهاد ؟ وكيف السبيل لأرض المعركة - وليكن العراق أو أفغانستان مثلا ؟
تري كثيراً من المسلمين يطرح عليك هذا السؤال , فإن بدأت معه بالحديث عن جهاد النفس , تجده ينظر لجهاد النفس نظرة دونية ....لماذا ؟ , وذلك لما ذكرناه في بداية الحلقة ألا وهو عدم معرفته بحقيقة نفسه , فيظن أنه يقوي علي دخول المعركة دون حاجة لسلاحه الحقيقي وهو الايمان , بينما هو في حقيقته واهن العزم دني الهمة , فيخادع نفسه ونفسه تخادعه, فلا يرغب في مجرد التفكير في جهاد النفس لانه أمر شاقٌ عليه , وهذه هي لحظة معرفته الحقيقة بأمر نفسه ولكنه تجاهلها لصعوبتها فلايريد أن يقف عندها كثيراً , فيبحث عن طرق سهلة توصله الي أرض المعركة في راحة ويسر ليدخل المعركة دون رباط ليطلق الرصاص دون أن يتجرع مرارة الطريق ووعورته , ويذكرني ذلك بقول الامام عبدالله عزام رحمه الله يقول : (( يأتي الشاب يقول لك أريد الجهاد فيدخلونه معسكر تدريب فتطول فترة الرباط ستة أشهر تسعة أشهر فيمل من طول الرباط فيقول لك أريد ان أدخل معارك – يريد أن يطلق رصاص يشبع به رغبته - ولايستطيع أن يتحمل مرارة الرباط ومشاقه ، ويظل يتنقل بين الجبهات دون أن يفيد أو يستفيد إلي أن يصل به الملل أن يقول لك هل صحيح الجهاد فرض عين ؟ فيبدأ في التفكير في الرجوع ..إلي أين ؟ إلي بلده , ولكن لابد أن يجد مبرراً للرجوع ..هل يقول لهم أني مللت ؟ هل يقول أن نفسي تعبت ؟ هل يقول أن روحي ضعيفة ما إحتملت تكاليف الجهاد ؟ لن يعترف بضعفه ولابروحه الضعيفة التي مااستطاعت أن تواصل القتال ولاالرباط فيجد ألف علة وعلة )) .
فتجد أن الامام عبد الله عزام رحمه الله طرح ثلاثة أسئلة إستنكاريةكلها متعلقة بالنفس وحيقيتها حتي عندما تحدث عن إرادة الشاب دخول المعركة قال : ( إنه يريد أن يُشبع رغبته) أمر نفسي .
أقول : إن أمر جهاد النفس عظيم , وإن لم تربي نفسك علي علي جهاد النفس فأنت خانع واهن العزم .
سبحان الله ! أتنظر لجهاد النفس نظرة دونية والآمر بها هو الله رب العالمين , أي أنه فرض عين عليك , أتريد أن تتخير من بين التكاليف ماتحب وتترك ما تكره , وإن سُئلت عن معني كلمة جهاد قلت هو بذل الوسع والطاقة , فأين أنت من بذل الوسع والطاقة فيما لاينفك عنك منذ بلوغك حتي مماتك وهو ( جهاد النفس ) , فإبحث لك عن طريق أخر لاتتجرع فيه نفسك مرارة المجاهدة , أما هذا الطريق فهو طريق أصحاب الهمم العالية وقوة العزم .
ورحم الله الحسن البصري حيث قال : ( ما الدابة الجموح بأحوج إلى اللجام الشديد من نفسك ) ففي هذا الطريق تتدرب علي خوض المعارك مع شهوات النفس وملذاتها فمرة تنتصر ومرة تنهزم فهي مدرسة الاعداد والتدريب قبل مواجهة خصمك في ساحات النزال والابتلاءات , ورحم الله سفيان الثوري حيث قال : ( ما عالجت شيئا أشد على من نفسي مرة لي ومرة علي ) , فسبيلك للجهاد يبدأ من داخلك وينتهي في ساحة النزال.
كيف السبيل إلي أرض الجهاد ؟
إعلم أنه كما أن الشهادة إختيارمن الله سبحانه فكذلك تيسر سبيل الجهاد والوصول إليه إختيار من الله سبحانه .
وقفة تأمل وتدبر:
قال تعالي : ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ?
إن تيسر سُبل الجهاد بالنسبة لك يبدأ من قوله تعالي : ? وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ... ? والاعداد يبدأ من قوله تعالي :? فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ... ? فتقوي الله تكون بالاعداد النفسي الذي هو أولي مراتب الاستطاعة , ولاينفك عنك فهو فرض عين عليك , فإن أعرضت عنه وضيعته فأنت لما سواه أضيع , ومهما سعيت في سؤال الناس عن سبيل الجهاد فلن تهتدي إلي السبيل , لأن سُبل الجهاد بيد مالكها وهو الله رب العالمين , ولاتظن أن السبيل هو الوصول المادي لأرض المعركة فحسب , وإلا فكثيراٌ من الناس يصلون إلي أرض المعركة وكانوا يظنون مثلما تظن بنفسك أنهم سيبلون بلاءاً حسناً فلما صُدم بالواقع نكث ورجع القهقري , فهذا الوصول المادي ليس سبيلا من سبل الله وإنما هو سبيل من سبل النفس الامارة بالسوء التي أرادت ان تشبع رغبةً من رغباتها فرأت ساحةً لاتسمح برغباتٍ فنكثت .
- سبحان الله ! أتقرأ قوله تعالي: ? قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ? ثم تتهاون ولاتبالي بجهاد النفس وتتركها تقودك لشهواتها الهوجاء وتريد أن تصل الي طريق النجاة .......هيهات هيهات .
فسُبل الله سُبل هداية ومنحة ربانية تسبقها مجاهدة بكل إستطاعة وإخلاص , لذا يختم الله الاية بقوله : ? ...وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ? , فكلما أحسنت العمل وأخلصت كلما يسر الله لك سبيل من هذه السُبل حتي تصل إلي ساحة السوق الرابحة ساحة النزال التي يختارك الله فيها شهيداً بإذنه سبحانه , فأيسر سبيل للجهاد لايتم إلا من خلال معرفتك بحال نفسك وليس بسؤال الناس عن السبيل , فالناس سبب ولكن المسبب لها هو الله والهادي اليها هو الله ? فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ... ? ولابد للطريق من زاد وخير زاد هو تقوي الله ? ..وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ?
يقول العلامة عبد القادر بن عبد العزيز فك الله أسره : (( من الأسرار اللطيفة في آيات الجهاد بالقرآن، تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في جميع الآيات التي جمعت بينهما إلا آية ( بَيْعة الجهاد ) بسورة التوبة :
? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ? . فتقديم المال على النفس في معظم الآيات ليس لفضله على النفس، بل إن الجهاد بالنفس أعظم ولكنه لا يتم إلا بالمال، فالإنفاق في سبيل الله لازم لإعداد الجيوش ولا يتم الجهاد بالنفس إلا بعد الجهاد بالمال، أما آية {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى} فهذا مقام المبايعة مع الله وقد عرض الله سلعة غالية فوجب على العبد أن يقدم في شرائها أغلى ما يملك وهي النفس، فلذلك قدمت النفس على المال في هذه الآية التي تُبَيِّن كرم الله عز وجل فإنه يملك نفوس الخلق جميعا ومع ذلك فقد اشتراها من المؤمنين بالعِوض وهو الجنة.))
- إعلم يا عبد الله أن الله يقول: ? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .. ? ولم يقل ( من المسلمين ) والمؤمن لايترك جهاد النفس أبداً .
أدبت نفسي فما وجدت لها *** من بعد تقوى الإله من أدبِ
أتعلم صفات الذين إشتري الله منهم أنفسهم - وهو إختيار- أم لا تعلم ؟ , فإن كنت لا تعلم فهم المذكورين في الاية التالية لآية ( بَيْعة الجهاد ) في قوله تعالي ? التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ? , فها هي السُبل , وها هي شروط العرض والقبول في السوق الرابحة (ساحة النزال) , فهي صفات تتعلق بجهاد النفس علي طاعة الله وتزكيتها بتطهيرها بأنين البكاء ودموع التوبة وإمتثال أمرالله ونهيه سبحانه.....فهل أنت من هؤلاء ؟
وقفــة تأمــل :وبعد أن علمت طريق الهداية إلي سبيل الجهاد قلي بربك كيف ستقدم السلعة ( نفسك) لمن إشتراها .
- ها قد طُفتَ وتجولتَ لتتعرف علي سُبل الهداية للجهاد وشروط دخول السوق وشروط عرض السلعة في سوق التجارة الرابحة ( ساحة النزال) , فالبوابة الرئيسية ( من المؤمنين ) وأصناف السلع ( النفوس الزكية ) مجتمعة في قوله تعالي : ? التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ? , فالله سبحانه وتعالي إشتري من تلك الزهور ( من المؤمنين ) عطورها الزكية (نفوسهم الزكية) التي فاح أريجها وتنوعت أصنافها ما بين عطر التوبة وعطر الحمد وعطر القيام وعطر الركوع وعطر السجود وعطر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فُبشرت الزهرة ( المؤمنون) بأنها ستسكن في رياض الجنة في رضوان ربها تبارك وتعالي .
أخي الحبيب :
- أما آن لك أن تنافس وتبدأ من هذه اللحظة في جهاد النفس أم أنك ألفت الحماس الاجوف الذي تُشبع به رغبتك .
- أما آن لك يا أخي أن تسعي في تزكية سلعتك (نفسك) ? قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ? .
- أما آن لقطرات الندي (قطرات الدموع ) أن ترتسم علي جبين الزهرة ( خد المؤمن ) فتبدو يانعة رائعة في سوق الجمال ( ساحة النزال) فتأتي علي الوصف الذي حدده من أحبها
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة دموع من خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ) صحيح الترغيب
لذا فقد إشتراها ربها بمجرد توافر الشروط من قبل أن تعرض في سوق الجمال ( ساحة النزال) فيسر لها سبيل الوصول إلي سوق التجارة الرابحة ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ? لتُقطف من الارض ? وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء ? فتسيل منها أخرقطرة تربطها بالارض ( قطرة الدم ) لتغسلها من وحل الذنوب , (( قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( للشهيد عندربه سبع خصال , يغفر له بأول قطرة من دمه ...)) قبل أن تصعد فتسكن في رياض الجنان .
- أما آن لهذا القلب القاسي المتحجر أن يخشع عند سماع آيات الله , قال تعالي : ? أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ?
- إعلم يا عبد الله أن من ترك جهاد النفس فهو إلي جهاد السمعة والرياء والشهرة أقرب ليقال عنه شجاع ثم النار النار
- أُمتك تُذبح ولا تعد نفسك , فقط إشباع رغبات بكتابات ومقالات وأفلام ثم نوم وسُبات دون بذل وإعداد , والله أخشي أن يصدق فينا قول الله تعـالي : ? قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ?
- تتمني مواجهة عدوك دون إعداد ..عجباً , والله أخشي أن يصدق فينا قول الله تعالي :? وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ? فننكث ونفر , فالامر ليس أمر شجاعة فقط , فشجاعة بلا إيمان بلا إخلاص لله سبحانه مصيرها النار النار .
- الطريق ليس مفروشا بورود الشهوات والرغبات فكن جاداً ولا تكن أجوفاً.
- يا مخنث العزم أين أنت والطريق ، طريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، وتزها أنت باللهو واللعب ( إبن القيم )
السؤال الثالث والاخير من أسئلة حديث النفس هو :3- لما تريـــد الجهــاد ؟
الجواب : رضا الرحمن قبل الجنان , فرضا الرحمن أعلي عطية في الجنان , فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( إن الله يقول لإهل الجنة : يا أهل الجنة ! يقولون لبيك ربنا وسعديك , فيقول هل رضيتم ؟ فيقولون وما لنا لانرضي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك : قالوا يارب ! وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول :أُحل عليكم رضواني فلاأسخط عليكم بعده أبداً ) رواه البخاري.
( اللهم إني أسألك رضاك والجنة وأعوذ بك من سخطك والنار )
توجيهات عامة :
1. الاعداد مراتب وليس مراحل , بمعني أنه يمكنك أن تعد نفسك ( نفسيا وبدنيا ومالياوعسكريا في آن واحد متي توافرت المراتب فلا تعارض بينهما , بل علي العكس من ذلك فمراتب الاعداد تقوي بعضها بعضا إذا نُفِذت في وقت واحد
2. مرتبة الاعداد النفسي لاتنفك عنك فهي فرض عين عليك
3. متي توافرت المرتبة أعددتها مباشرة دون إنتظار بدمجها مع مرتبة الاعداد النفسي وستجد فارقاً عظيما .
4. الاعداد البدني بدايته المشي ثم الجري ولك أجر الرباط , إذاً فهو في إستطاعتك فيمكنك دمجه بالاعداد النفسي من بداية إتخاذك لقرار الاعداد , وأنت بذلك تعد مرابطاً فعن عبد الرحمن بن جبر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار " فبادر وإحتسب الاجر عند الله وستجد تيسير الله لك سبيل الجهاد وأنت تخطو بقدمك خطوات الاعداد الاولي , وكنزها شعورك بإنشراح الصدر بأن الله سيهديك السبيل .
5. نية الاعداد الجاد الذي يثمر عملاً لاقولاً فقط له أجر الرباط
6. التائب الذي توافرات فيه صفة الاعداد البدني والعسكري والمالي وتيسر له سبيل الجهاد يذهب مباشرة فتوبته الصادقة هي قمة إعداده النفسي
7. الجاد بالاعداد يوفقه الله إلي سبيل الجهاد.
8. الجهاد مراحل والاعداد مراتب , فالمراحل لابد أن تتدرج مرحلة تلو مرحلة , أما المراتب تتساوي وتستطيع القيام بها في آن واحد. والدليل علي إعداد الصحابة للاطفال , قال عمربن الخطاب رضي الله عنه : ( علموا اولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ) فهذا إعداد بدني وعسكري بينهما واو العطف , هذا في الصغار فما بالكم بالشباب , وأيضا قال أحد الصحابة : ( كنا نعلم أبناءنا غزوات النبي صلي الله عليه وسلم كالسورة من القرآن ) فهذا إعداد نفسي كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم .
9. مراحل الجهاد :
أ- مرحلة ما قبل دخول المعركة ( إعداد بمراتبه ورباط)
ب- مرحلة أثناء المعركة
ج- مرحلة ما بعد المعركة ( نصر أوهزيمة / شهادة أو غنيمة )
د – تمكين وإقامة شرع الله
أما مراتب الاعداد : ( اعداد نفسي / بدني / عسكري / مالي ) ما توافر منها نُفذ مباشرة فلا يُشترط أن تأتي متتالية , والدليل كما قلنا أطفال الصحابة .
(اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا )
أسأل الله الاخلاص في القول والعمل , ودعوة بظهر الغيب من كريم وجِل
اللهم إجعلني ممن يقول فيعمل
جزاكم ربنا خيرالجزاء